الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (اخْتَلَفَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي) أَصْلِ (الرَّهْنِ) كَأَنْ قَالَ: رَهَنْتنِي كَذَا فَأَنْكَرَ (أَوْ) فِي (قَدْرِهِ) أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ كَأَنْ قَالَ رَهَنْتَنِي الْأَرْضَ بِأَشْجَارِهَا فَقَالَ: بَلْ الْأَرْضَ فَقَطْ، أَوْ فِي عَيْنِهِ: كَهَذَا الْعَبْدِ، فَقَالَ بَلْ الْجَارِيَةَ، أَوْ قُدِّرَ الْمَرْهُونُ بِهِ كَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ بَلْ مِائَةٍ (صُدِّقَ الرَّاهِنُ) أَيْ الْمَالِكُ (بِيَمِينِهِ) وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَالِكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يَكُونُ مُسْتَعِيرًا، وَأَيْضًا هُوَ لَيْسَ بِرَاهِنٍ، لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ: إطْلَاقُهُ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ (إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ) أَيْ لَيْسَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ قَيْدٍ فِي التَّصْدِيقِ (وَإِنْ شُرِطَ) الرَّهْنُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِمَّا ذُكِرَ (فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا) كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَائِرِ كَيْفِيَّاتِ الْبَيْعِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَتْ عِبَارَتُهُ: مَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَفَاءِ كَأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَ مِنِّي الْمَشْرُوطَ رَهْنُهُ وَهُوَ كَذَا فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَحَالُفَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَوْقِعُ التَّحَالُفِ بَلْ يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَرْهَنْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَ حُكْمُهَا مِنْ قَوْلِهِ: فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا..
المتن: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ادَّعَى) عَلَى اثْنَيْنِ (أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ) وَأَقْبَضَاهُ إيَّاهُ (وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ): لِمَا سَلَفَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَذِّبِ لِخُلُوِّهَا عَنْ جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِنْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَهُ ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ وَلَوْ زَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا رَهَنَ نَصِيبَهُ وَأَنَّ شَرِيكَهُ رَهَنَ أَوْ سَكَتَ عَنْ شَرِيكِهِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَرُبَّمَا نَسِيَ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَالْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ، وَلِهَذَا لَوْ تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا فِي حَادِثَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي التَّخَاصُمِ فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ غَيْرُ مُفَسِّقَةٍ، مَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ انْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا كَجَحْدِ حَقٍّ وَاجِبٍ وَهَذَا بِتَقْدِيرِ تَعَمُّدِهِ يَكُونُ جَاحِدًا لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَيُفَسَّقُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْجَحْدِ مُفَسِّقًا أَنْ يُفَوِّتَ الْمَالِيَّةَ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُنَا لَمْ يُفَوِّتْ إلَّا حَقَّ الْوَثِيقَةِ. فَإِنْ قِيلَ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمُدَّعِي بِظُلْمِهَا بِالْإِنْكَارِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَفْسِيقَهُمَا. أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ بِذَلِكَ ظَهَرَ مِنْهُ هَذَا إذْ لَيْسَ كُلُّ ظُلْمٍ خَالٍ عَنْ تَأْوِيلٍ مُفَسِّقًا بِدَلِيلِ الْغَيْبَةِ وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ وَأَقْبَضَهُ لَهُمَا وَصَدَقَ أَحَدَهُمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ لِلْمُكَذِّبِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطًا..
المتن: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ غَصَبَتْهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي قَبْضِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتُهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ (وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى) كَإِجَارَةٍ أَوْ إيدَاعٍ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَبْضِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَالرَّاهِنُ يُرِيدُ صَرْفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِتَقَدُّمِ الْعَقْدِ الْمُحْوِجِ إلَى الْقَبْضِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَتَنَازَعَا فِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُصَدَّقُ مَنْ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ..
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ، وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا جَنَى الْمَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ) الرَّاهِنُ (بِقَبْضِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ (ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَرْهُونَ (وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ: أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ) قَبْلَ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ، وَالرَّسْمُ الْكِتَابَةُ، وَالْقَبَالَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْوَرَقَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ: أَيْ أَشْهَدْتُ عَلَى الْكِتَابَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْوَثِيقَةِ لِكَيْ آخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَنْتُ حُصُولَ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ أَوْ أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي أَنَّهُ أُقْبَضَ ثُمَّ خَرَجَ مُزَوِّرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا يَكُونُ مُنَاقِضًا بِقَوْلِهِ لِإِقْرَارِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَثَائِقَ فِي الْغَالِبِ يُشْهَدُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَحَقُّقِ مَا فِيهَا، فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى تَلَفُّظِهِ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ أَقَرَّ بِإِقْبَاضِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَلْزَمُ الرَّهْنُ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِالْإِقْبَاضِ إذَا أَمْكَنَ، فَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ مَثَلًا فَقَالَ: رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي بِالشَّامِ وَأَقْبَضْتُهُ إيَّاهَا وَهُمَا بِمَكَّةَ فَهُوَ لَغْوٌ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ: أَيْ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ (وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ (جَنَى الْمَرْهُونُ) بَعْدَ الْقَبْضِ (وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجِنَايَةِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ، وَإِذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ..
المتن: وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِذَا حَلَفَ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ) بَعْدَ الْقَبْضِ (جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ) الْمَرْهُونُ، سَوَاءٌ أَقَالَ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ أَمْ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ (فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ) الْجِنَايَةَ صِيَانَةً لِحَقِّهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يُوَاطِئُ مُدَّعِي الْجِنَايَةِ لِغَرَضِ إبْطَالِ الرَّهْنِ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّهُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إذَا عُيِّنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ وَادَّعَاهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ قَطْعًا، وَدَعْوَى الرَّاهِنِ زَوَالَ الْمِلْكِ كَدَعْوَاهُ الْجِنَايَةَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ) الْمُرْتَهِنُ (غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، وَالثَّانِي: لَا يَغْرَمُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَظْهَرِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْغُرْمِ لِلْحَيْلُولَةِ، وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ) كَجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَهُوَ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: قَوْلَانِ كَمَا فِي فِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي، أَظْهَرُهُمَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ. وَثَانِيهِمَا: الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (لَا عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُمَا وَجْهَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا مَا مَرَّ. وَالثَّانِي: تُرَدُّ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَالْخُصُومَةُ تَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ (فَإِذَا حَلَفَ) الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا (بِيعَ) الْعَبْدُ (فِي الْجِنَايَةِ) إنْ اسْتَغْرَقَتْ الْجِنَايَةُ قِيمَتَهُ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يَكُونُ الْبَاقِي رَهْنًا لِثُبُوتِ الْجِنَايَةِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَهُ بِنُكُولِهِ..
المتن: وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَقَالَ رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ، وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ، وَقِيلَ يُقَسَّطُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَذِنَ) الْمُرْتَهِنُ (فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ) وَقَالَ رَجَعْتُ عَنْ الْإِذْنِ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ رُجُوعَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ (وَ) لَوْ (رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ) وَقَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ (رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ): بَلْ (بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ، وَالرُّجُوعُ فِي الْوَقْتِ الْمُدَّعَى إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ، فَيَتَعَارَضَانِ فِيهِ وَيَبْقَى الرَّهْنُ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ بَيْعِهِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ الْإِذْنَ، وَالثَّالِثُ: قَوْلُ السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّجْعَةِ، وَفِي اخْتِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فِي أَنَّ الْعَزْلَ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ (وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ) مَثَلًا (بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ) أَوْ كَفِيلٌ أَوْ هُوَ ثَمَنُ مَبِيعٍ مَحْبُوسٍ بِهِ وَالْآخَرُ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ (فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا ذُكِرَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ، سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ أَمْ لَفْظِهِ فَالْعِبْرَةُ فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدَّى حَتَّى يَبْرَأَ بِقَصْدِهِ الْوَفَاءُ وَيَمْلِكَهُ الْمَدْيُونُ وَإِنْ ظَنَّ الدَّائِنُ إيدَاعَهُ، وَكَمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِقَصْدِهِ فَكَذَا الْخِيَرَةُ فِيهِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالسَّيِّدُ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ، فَيُجَابُ السَّيِّدُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَتُفَارِقُ غَيْرَهَا مِمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْجِهَةِ لِتَقْصِيرِ السَّيِّدِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) حَالَ الدَّفْعِ (شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ) مِنْهُمَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وَقِيلَ يُقَسَّطُ) عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالتَّقْسِيطُ قِيلَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنَيْنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ. قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِذَا عُيِّنَ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ أَوْ التَّعْيِينِ؟ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَلَوْ تَبَايَعَ مُشْرِكَانِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَسَلَّمَ مَنْ الْتَزَمَ الزِّيَادَةَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَسْلَمَا، فَإِنْ قَصَدَ بِتَسْلِيمِهِ الزِّيَادَةَ لَزِمَهُ بَرِئَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا وُزِّعَ عَلَيْهِمَا وَسَقَطَ بَاقِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَصْلَ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَصْلَ شَيْئًا عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا.
المتن: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ، وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ) الْمُتَنَقِّلَةِ إلَى الْوَارِثِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ)؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ، إذْ يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِيهِ جَزْمًا بِخِلَافِ إلْحَاقِهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ. وَاغْتُفِرَ هُنَا جَهَالَةُ الْمَرْهُونِ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ (وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي)؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ، وَقِيلَ كَحَجْرِ الْفَلَسِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ} وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ التَّرِكَةُ مَرْهُونَةً رَهْنًا اخْتِيَارِيًّا فَإِنْ كَانَ لَمْ تَتَعَلَّقْ الدُّيُونُ الْمُرْسَلَةُ فِي الذِّمَّةِ بِالتَّرِكَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ التَّرِكَةِ فَوَفَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الرَّهِينَةِ وَلَا سِيَّمَا قَوْلُهُ بَعْدُ: وَيَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَنْفَكُّ (فَعَلَى) الْأَوَّلِ (الْأَظْهَرُ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ) فِي رَهْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمَرْهُونِ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ تَعَلَّقَ بِقَدْرِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي مَالٍ كَثِيرٍ بِشَيْءٍ حَقِيرٍ بَعِيدٌ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَالرَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ، لَكِنْ حُكِيَ فِي الْمَطْلَبِ الْخِلَافُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ رَجَّحُوا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ بِجَمِيعِهِ وَيَأْتِي تَرْجِيحُهُ هُنَا فَيُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ عَلَى الْأَرْشِ لِلْمُرَجِّحِ عَلَى الرَّهْنِ، فَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ إلَخْ صَحِيحٌ انْتَهَى لَكِنَّ الزَّكَاةَ تُخَالِفُ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ كَمَا قَالَ شَيْخِي بِأَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْأَوَّلِ أَقْوَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالرَّهْنِ مَا لَوْ أَدَّى وَارِثَهُ قِسْطَ مَا وَرِثَ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَنْفَكُّ إلَّا بِوَفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا..
المتن: وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ظَاهِرٌ فَظَهَرَ دَيْنٌ بِرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ لَكِنَّ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ) لَا (ظَاهِرٌ) وَلَا خَفِيٌّ (فَظَهَرَ دَيْنٌ) أَيْ طَرَأَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِالرَّدِّ الْآتِي فِي عِبَارَتِهِ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا ثُمَّ ظَهَرَ بَلْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، لَكِنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَقَوْلُهُ (بِرَدِّ) أَوْلَى مِنْهُ كَرَدِّ (مَبِيعٍ بِعَيْبٍ) أَتْلَفَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ ثُمَّ تَرَدَّى فِيهَا شَخْصٌ وَلَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَقَوْلُهُ وَلَا دَيْنَ اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُقَارِنًا وَعُلِمَ بِهِ فَالتَّصَرُّفُ بَاطِلٌ، وَكَذَا إنْ جَهِلَهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ)؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَائِغًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي: يَتَبَيَّنُ فَسَادُهُ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُقَارِنِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ جَزْمًا (لَكِنَّ) عَلَى الْأَوَّلِ (إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ) تَصَرُّفُهُ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " إنْ لَمْ يَقْضِ ". قَالَ فِي الدَّقَائِقِ بِضَمِّ الْيَاءِ لِيَعُمَّ قَضَاءَ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ ا هـ. وَأَوْلَى مِنْهُ إنْ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءَ وَغَيْرَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ الْوَارِثَ الْمُوسِرَ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التَّرِكَةِ وَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ أَنَّهُ يَفْسَخُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ نُفُوذُهُ أَوْلَى مِنْ نُفُوذِ عِتْقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ هُنَا طَارِئٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ.
المتن: ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: ، (وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْمُوَرِّثِ، وَالْمُوَرِّثُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَوْ أَوْصَى بِدَفْعِ عَيْنٍ إلَيْهِ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ تُبَاعَ وَيُوَفَّى دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِهَا عُمِلَ بِوَصِيَّتِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ قَدْ تَكُونُ أَطْيَبَ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَالَ الْوَارِثُ آخُذُهَا بِقِيمَتِهَا وَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهَا لِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رَاغِبٍ. أُجِيبَ: الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ؛ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَلِلنَّاسِ غَرَضٌ فِي إخْفَاءِ تَرِكَاتِ مُوَرِّثِهِمْ عَنْ شُهْرَتِهَا لِلْبَيْعِ، فَإِنْ طُلِبَتْ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَأْخُذْهَا الْوَارِثُ بِقِيمَتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ كَوْنِ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُ كُلِّ مَالِ الْقِرَاضِ وَإِلْزَامُ الْعَامِلِ أَخْذَ نَصِيبِهِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ (وَالصَّحِيحُ) وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ (أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ)؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهَا لَا يَزِيدُ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْجَانِي، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا هَذَا. وَالثَّانِي: يَمْنَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} أَيْ مِنْ بَعْدِ إعْطَاءِ وَصِيَّةٍ أَوْ إيفَاءٍ دَيْنٍ إنْ كَانَ حَيْثُ قُدِّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْمِيرَاثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ لِقِسْمَةٍ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ (فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ)؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ. أَمَّا عَلَى الْمَنْعِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا تَبَعًا لِأَصْلِهَا.
خَاتِمَةٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا فِي فَرْعٍ، وَهُوَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ لِلْوَارِثِ فَظَنُّوا أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ حَتَّى إذَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ الْجَمِيعُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَدَاؤُهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ. وَيَسْتَقِرُّ لَهُ نَظِيرُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا سَبَبُ سُقُوطِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ.
المتن: مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ، وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: كِتَابُ التَّفْلِيسِ هُوَ لُغَةً النِّدَاءُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَشُهْرَتُهُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَخَسُّ الْأَمْوَالِ. وَشَرْعًا جَعْلُ الْحَاكِمِ الْمَدْيُونَ مُفْلِسًا بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ فِي دِينٍ كَانَ عَلَيْهِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ}. وَالْمُفْلِسُ فِي الْعُرْفِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَفِي الشَّرْعِ مَنْ لَا يَفِي مَالُهُ بِدَيْنِهِ كَمَا قَالَ ذَاكِرًا لِحُكْمِهِ (مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ) لِآدَمِيٍّ لَازِمَةٌ (حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ) وُجُوبًا فِي مَالِهِ إنْ اسْتَقَلَّ، أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ (بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ) وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ كَأَوْلِيَائِهِمْ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لَحِقَهُمْ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْحَجْرَ كَانَ عَلَى مُعَاذٍ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، (فَلَا حَجْرَ بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا) كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنُجُومِ كِتَابَةٍ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ (وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الدُّيُونِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ الدَّيْنَ الْوَاحِدَ إذَا زَادَ عَلَى الْمَالِ كَانَ كَذَلِكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْغُرَمَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الدَّيْنِ بِاللَّازِمِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيُخْرِجَ دَيْنَ الْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ: يَجُوزُ مَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَى أَنْ يُحْدِثَ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ، إذْ مَا يَحْدُثُ لَهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ، وَمَا جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا، وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الْمُفْلِسِ إلَّا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ، فَقَدْ يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِالْوَفَاءِ فَيَضُرُّ الْبَاقِينَ، وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ، أَوْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت بِالْفَلِسِ إذْ مَنْعُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ: أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُفْلِسِ. قَالَ: وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ: أَيْ بَلْ إنَّهُ جَازَ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ. وَقَوْلُ السُّبْكِيّ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ حَالًّا، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِلَا فَائِدَةٍ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ. أَمَّا مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ كَمَغْصُوبٍ وَغَائِبٍ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَحْصِيلِ أُجْرَتِهَا اُعْتُبِرَتْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ حَالًّا عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ أَيْ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ اُعْتُبِرَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَرْهُونًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْفِقْهُ مَنَعَ الْحَجْرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَرُدَّ بِأَنَّ لَهُ فَوَائِدَ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ (وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّ الْأَجَلَ مَقْصُودٌ لَهُ فَلَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ فَسَقَطَ الْأَجَلُ كَالْمَوْتِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ جُنَّ الْمَدْيُونُ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْحُلُولِ بِهِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ (وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بَلْ يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَإِنْ الْتَمَسَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ: أَيْ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ حُجِرَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى دَيْنِهِ ا هـ. وَهَذَا يُسَمَّى الْحَجْرُ الْغَرِيبُ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا) لَا حَجْرَ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِّ. وَالثَّانِي: يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ مَالَهُ فِي النَّفَقَةِ وَدُفِعَ بِمَا ذُكِرَ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ.
المتن: وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حُجِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ) مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ، لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَهُمْ نَاظِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْ وَلِيُّهُ فَلِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي مَصْلَحَتِهِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ.
تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحْجُرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ اسْتِيفَاءُ مَالِ الْغِيَابِ مِنْ الذِّمَمِ وَإِنَّمَا لَهُ حِفْظُ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْفَارِقِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيئًا وَإِلَّا لَزِمَ الْحَاكِمَ قَبْضُهُ قَطْعًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ (فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ) الْحَجْرَ (وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ) بِأَنْ زَادَ عَلَى مَالِهِ (حَجَرَ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْحَجْرِ، ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ أَثَرُ الْحَجْرِ بِالْمُلْتَمِسِ بَلْ يَعُمُّهُمْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ الدَّيْنُ عَلَى مَالِهِ (فَلَا) حَجْرَ، لِأَنَّ دَيْنَهُ يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ بِكَمَالِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَلَبِ الْحَجْرِ، وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَزِيدَ دَيْنُ الْجَمِيعِ عَلَى مَالِهِ لَا الْمُلْتَمِسِ فَقَطْ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ (وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ) وَلَوْ بِوَكِيلِهِ (فِي الْأَصَحِّ)، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا وَهُوَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى دُيُونِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى مُعَاذٍ كَانَ بِالْتِمَاسٍ مِنْهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِدَعْوَى الْغُرَمَاءِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي، وَطَلَبِ الْمَدْيُونِ الْحَجْرَ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُهُ، وَالثَّانِي: لَا يُحْجَرُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَجْرُ يُنَافِي الْحُرِّيَّةَ وَالرُّشْدَ، وَإِنَّمَا حَجَرَ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمْ إلَّا بِالْحَجْرِ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ، بِخِلَافِهِ فَإِنَّ غَرَضَهُ الْوَفَاءُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِبَيْعِ أَمْوَالِهِ وَقَسْمِهَا عَلَى غُرَمَائِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجْرَ وَاجِبٌ بِسُؤَالِهِ كَسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، فَالْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الْجَوَازِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
المتن: فَإِذَا حُجِرَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ.
الشَّرْحُ: (فَإِذَا حُجِرَ) عَلَيْهِ بِطَلَبٍ أَوْ بِدُونِهِ (تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ) كَالرَّهْنِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَلَا تُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الدُّيُونُ الْحَادِثَةُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِمَا فَعَلَ مُوَرِّثُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَخَرَجَ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُفْلِسِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِفَوْرِيٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ يُقَوِّي مَا مَرَّ فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْأَصَحِّ.
المتن: وَأَشْهَدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحَذِّرَ.
الشَّرْحُ: (وَأَشْهَدَ) الْحَاكِمُ نَدْبًا. وَقِيلَ وُجُوبًا (عَلَى حَجْرِهِ) أَيْ الْمُفْلِسِ وَأَشْهَرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ (لِيُحَذِّرَ) مِنْ مُعَامَلَتِهِ. قَالَ الْعِمْرَانِيُّ: فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَجَرَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا لَغَا، وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُفَوِّتًا فِي الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأً كَأَنْ (بَاعَ) أَوْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ (أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ) أَوْ أَجَّرَ أَوْ وَقَفَ أَوْ كَاتَبَ (فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ) الْمَذْكُورَ (فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ) لِارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ أَوْ إبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ (نَفَذَ) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ نَافِذًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ (لَغَا) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ لَاغِيًا (وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) فِي الْحَالِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ كَالْمَرْهُونِ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ مَا لَوْ دَفَعَ لَهُ الْحَاكِمُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَقَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ، فَاشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَسَيَأْتِي مَا يَخْرُجُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ (فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِغَرِيمِهِ بِدَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ (لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ) مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَثْبُتُ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِمْ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَالْقَوْلَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ لِأَجْنَبِيِّ السَّابِقِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ. أَمَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَيَصِحُّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِدَيْنِهِمْ عَمَّا إذَا بَاعَهُ بِبَعْضِ دَيْنِهِمْ أَوْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهُ كَالْبَيْعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ارْتِفَاعَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَلَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَخَرَجَ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ التَّصَرُّفُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَ (وَلَوْ) تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ كَأَنْ (بَاعَ سَلَمًا) طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ اشْتَرَى) شَيْئًا بِثَمَنٍ (فِي الذِّمَّةِ) أَوْ بَاعَ فِيهَا لَا بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ اسْتَأْجَرَ (فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ) الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ وَنَحْوُهُمَا (فِي ذِمَّتِهِ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَالسَّفِيهِ.
المتن: وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ لَكَانَ أَوْلَى (وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ) وَرَجْعَتُهُ (وَاقْتِصَاصُهُ) أَيْ اسْتِيفَاؤُهُ الْقِصَاصَ وَإِذَا طَلَبَهُ. أُجِيبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (وَإِسْقَاطُهُ) أَيْ الْقِصَاصَ وَلَوْ مَجَّانًا، وَهَذَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَالٌ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَنَفْيُهُ بِاللِّعَانِ. أَمَّا خُلْعُ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ الْمُفْلِسَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا فِي الْعَيْنِ وَفِي الذِّمَّةِ الْخِلَافُ فِي السَّلَمِ، وَفِي نُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ خِلَافٌ. قِيلَ: يَصِحُّ كَالْمَرِيضِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ النُّفُوذِ. قَالَ شَيْخِي: لِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الْمَرَضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِنْشَاءِ الْإِقْرَارُ كَمَا قَالَ (وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ) بِمُعَامَلَةٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ) كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَمْ يُفِدْ امْتِنَاعُهُ شَيْئًا إذْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فَأُلْغِيَ إنْشَاؤُهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَالْحَجْرُ لَا يَسْلُبُ الْعِبَارَةَ عَنْهُ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنُكُولِهِ عَنْ الْحَلِفِ مَعَ حَلِفِ الْمُدَّعِي كَإِقْرَارِهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِمْ لِئَلَّا تَضُرَّهُمْ الْمُزَاحَمَةُ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ: وَالِاخْتِيَارُ فِي زَمَانِنَا الْفَتْوَى بِهِ لِأَنَّا نَرَى مُفْلِسِينَ يُقِرُّونَ لِلظَّلَمَةِ حَتَّى يَمْنَعُوا أَصْحَابَ الْحُقُوقِ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ وَحَبْسِهِمْ، وَهَذَا فِي زَمَانِهِ، فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَجَبَ وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِيَدْخُلَ مَا وَجَبَ، وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ لُزُومُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ، وَقَوْلُهُ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ فَقَطْ (وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ) إسْنَادًا مُقَيَّدًا (بِمُعَامَلَةٍ، أَوْ) إسْنَادًا (مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُعَامَلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ) فَلَا يُزَاحِمُهُمْ بَلْ يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ فَكَّ الْحَجْرِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَقْصِيرٍ مِنْ عَامِلِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَنْزِيلِ الْإِقْرَارِ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وَهُوَ دَيْنُ الْمُعَامَلَةِ، فَلَوْ لَمْ يُسْنِدْ وُجُوبَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَا إلَى مَا بَعْدَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَنْزِيلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَهُوَ جَعْلُهُ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ، فَإِنْ كَانَ مَا أَطْلَقَهُ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ لُزُومِهِ، أَوْ دَيْنَ جِنَايَةٍ قُبِلَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهُوَ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِهِ وَكَوْنِهِ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَذَا التَّنْزِيلُ ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَّفِقْ الْمُرَاجَعَةُ ا هـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَتْنِ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَجَبَ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَاعْتَرَفَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفَائِهِ قُبِلَ وَبَطَلَ ثُبُوتُ إعْسَارِهِ: أَيْ: لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى وَفَائِهِ شَرْعًا يَسْتَلْزِمُ قُدْرَتَهُ عَلَى وَفَاءِ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ (وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ) بَعْدَ الْحَجْرِ (قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ) فَيُزَاحِمُهُمْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ عَنْ مُعَامَلَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَزِمَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إنْ كَانَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، أَوْ لَا بِرِضَاهُ قُبِلَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ أَصَحَّ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَسْنَدَ لُزُومَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ حَتَّى يُقْبَلَ فِي الْأَظْهَرِ.
المتن: وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ، وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرَ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إنْ صَحَّحْنَاهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ، وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ) أَوْ الْإِقَالَةِ (مَا كَانَ اشْتَرَاهُ) قَبْلَ الْحَجْرِ (إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ) وَلَيْسَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ الْحَجْرُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي إذْ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْحَاصِلِ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ. فَإِنْ قِيلَ: نُقِلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَرِضَ وَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ وَالْغِبْطَةُ فِي رَدِّهِ وَلَمْ يَرُدَّ حَسَبَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الثُّلُثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الرَّدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ لِلْغُرَمَاءِ بِتَرْكِ الرَّدِّ قَدْ يُجْبَرُ بِالْكَسْبِ بَعْدُ، بِخِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِرَدِّ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَمَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدُ، وَصُورَةُ الْغِبْطَةِ فِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْمُفْلِسِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِفَلَسِهِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَأْخُذُهُ بِالْمُضَارَبَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ. أَمَّا الْعَالِمُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغِبْطَةُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغُرَمَاءِ بِمُزَاحَمَتِهِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِبْقَاءِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَالِ بِلَا غَرَضٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ غِبْطَةٌ أَصْلًا لَا فِي الرَّدِّ، وَلَا فِي الْإِبْقَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ غِبْطَةٍ، وَلَوْ مَنَعَ مِنْ الرَّدِّ عَيْبٌ حَادِثٌ لَزِمَ الْأَرْشُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُفْلِسُ إسْقَاطَهُ (وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرِ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ) وَالْهِبَةِ (وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ) فِي الذِّمَّةِ (إنْ صَحَّحْنَاهُ) أَيْ: الشِّرَاءَ وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ وُصُولُ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ، وَالثَّانِي: لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا ذُكِرَ كَمَا أَنَّ حَجْرَ الرَّاهِنِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اتَّهَبَ أَبَاهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ بَلْ يَعْتِقُ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَعَلُّقٌ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَالَ: لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ قَضَى بِحُصُولِ الْعِتْقِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ مَالُهُ مَعَ الْحَادِثِ عَلَى الدُّيُونِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ) أَيْ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ (أَنْ يَفْسَخَ وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ) لِتَقْصِيرِهِ (وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ كَالْعَيْبِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ الثَّمَنِ، وَالثَّالِثُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي الْجَهْلِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ، وَعَلَى التَّعَلُّقِ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ بِثَمَنِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا) أَيْ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ (لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ)؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ الْأَوَّلِينَ بَلْ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ دَيْنِهِمْ أَخَذَهُ وَإِلَّا انْتَظَرَ الْيَسَارَ، وَالثَّانِي: يُزَاحِمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ جَدِيدٍ رَادٍّ بِهِ الْمَالَ.
تَنْبِيهٌ: يَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ دَيْنٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ بِمُعَاوَضَةٍ. أَمَّا الْإِتْلَافُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فَيُزَاحِمُ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا يُكَلَّفُ الِانْتِظَارَ، وَلَوْ حَدَثَ دَيْنٌ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ عَلَى الْحَجْرِ كَانْهِدَامِ مَا أَجَّرَهُ الْمُفْلِسُ وَقَبَضَ أُجْرَتَهُ وَأَتْلَفَهَا ضَارَبَ بِهِ مُسْتَحِقَّهُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَمْ لَا؟
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمِيمٍ بَعْدَ الْيَاءِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَنُسِبَ لِنُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَقَعُ فِي بَعْضِهَا يَكُنْ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَقْصٌ: يَعْنِي: أَنَّ وَجْهَ النَّقْصِ فِي يَكُنْ لَفْظَةُ لَهُ وَفِي يُمْكِنُ لَفْظَةُ الْهَاءِ: أَيْ يُمْكِنُهُ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ لَهُ اخْتِصَارًا أَوْ الْتَبَسَ عَلَى بَعْضِ النُّسَّاخِ، فَكَتَبَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ا هـ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَعْنَى يُمْكِنُ صَحِيحٌ هُنَا، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ بِخَطِّهِ يَكُنْ، فَغَيَّرَهَا ابْنُ جِعْوَانَ أَوْ غَيَّرَهُ بِيُمْكِنُ؛ لِأَنَّهَا أَجْوَدُ مِنْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهَا.
المتن: يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحَجْرِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَيُقَدِّمُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ ثُمَّ الْمَنْقُولَ ثُمَّ الْعَقَارَ:
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ مِنْ بَيْعٍ وَقِسْمَةٍ وَغَيْرِهِمَا (يُبَادِرُ الْقَاضِي) نَدْبًا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْبَسِيطِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ الْوُجُوبَ (بَعْدَ الْحَجْرِ) عَلَى الْمُفْلِسِ (بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ) أَيْ قَسْمِ ثَمَنِهِ (بَيْنَ الْغُرَمَاءِ) عَلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ لِئَلَّا يَطُولَ زَمَنُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَمُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الِاسْتِعْجَالِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (وَيُقَدِّمُ) فِي الْبَيْعِ (مَا يَخَافُ فَسَادَهُ) كَالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ كَالْمَرْهُونِ (ثُمَّ الْحَيَوَانَ) لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُدَبَّرُ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتَعَذَّرَ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَنْ الْكُلِّ صِيَانَةً لِلتَّدْبِيرِ عَنْ الْإِبْطَالِ (ثُمَّ الْمَنْقُولُ)؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى ضَيَاعَهُ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَدِّمُ الْمَلْبُوسَ عَلَى النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (ثُمَّ الْعَقَارَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا، وَيُقَدِّمُ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَرْضِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ وَالسَّرِقَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ، وَغَيْرُ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ بَيْعِ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا يَرَاهُ الْأَصْلَحَ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّرْتِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ، فَإِنْ كَانَ قَدَّمَ بَيْعَهُ بَعْدَ مَا يَخْشَى فَسَادَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُسِّمَ أَوْ بَقِيَ شَيْءٌ ضَارَبَ بِهِ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ.
المتن: وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ: كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ.
الشَّرْحُ: (وَلْيَبِعْ) نَدْبًا (بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ) بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ أَوْ وَكِيلِهِ (وَغُرَمَائِهِ) أَوْ وَكِيلِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُبَيِّنُ مَا فِي مَالِهِ، وَمِنْ عَيْبٍ فَلَا يُرَدُّ، وَمِنْ صِفَةٍ مَطْلُوبَةٍ فَيُرْغَبُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَالِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ غَبْنٌ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ فِي السِّلْعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ بَلْ لِلْحَاكِمِ تَمْلِيكُ الْغُرَمَاءِ أَعْيَانَ مَالِهِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ا هـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي، إذْ بَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ، وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ، وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْمُفْلِسِ بَلْ كُلُّ مَدْيُونٍ مُمْتَنِعٌ بِبَيْعِ الْقَاضِي عَلَيْهِ. لَكِنْ فِي غَيْرِ الْمُفْلِسِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْبَيْعُ بَلْ الْقَاضِي مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إكْرَاهِهِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُفْلِسِ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ فِيهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَخْيِيرَهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ، فَإِنْ عَيَّنَهُ تَعَيَّنَ. قَالَ الْقَاضِي: وَعُزِيَ ذَلِكَ إلَى الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ. قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ فِي إحْدَى الْخِصَالِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ بِتَعْيِينِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي خَلَاصِ حَقِّهِ، فَلْيَعْتَمِدْ الْقَاضِي بِمَا شَاءَ مِنْ الطُّرُقِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ، وَلْيَبِعْ نَدْبًا (كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ)؛ لِأَنَّ طَالِبَهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتُّهْمَةَ فِيهِ أَبْعَدُ، وَيُشْهَرُ بَيْعُ الْعَقَارِ لِيَظْهَرَ الرَّاغِبُونَ فَلَوْ بَاعَ فِي غَيْرِ سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ جَازَ. نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِالسُّوقِ عَرْضٌ مُعْتَبَرٌ لِلْمُفْلِسِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ وَجَبَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ وَرَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي اسْتِدْعَاءِ أَهْلِ السُّوقِ فَعَلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهِ وَإِنَّمَا يَبِيعُ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) فَأَكْثَرَ (حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِغَيْرِهِ فَوَجَبَ فِيهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ كَالْوَكِيلِ وَالْمَصْلَحَةُ مَا ذَكَرَهُ. نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ، وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ حُقُوقِهِمْ جَازَ وَلَوْ بَاعَ مَالَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَفَسْخُ الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَسَخَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ: وَقَدْ ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْسَخْ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ انْفَسَخَ بِنَفْسِهِ، فَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ.
المتن: ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ اشْتَرَى، وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ.
الشَّرْحُ: وَلَوْ تَعَذَّرَ مَنْ يَشْتَرِي مَالَ الْمُفْلِسِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَجَبَ الصَّبْرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه بِلَا خِلَافٍ: فَإِنْ قِيلَ الْمَرْهُونُ يُبَاعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ فِيهِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَالِاشْتِهَارِ وَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ دُونَ ثَمَنِ مِثْلِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ الْتَزَمَ ذَلِكَ حَيْثُ عَرَضَ مِلْكَهُ لِلْبَيْعِ وَنَظِيرُ الرَّاهِنِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ (ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ) مِنْ (غَيْرِ جِنْسِ النَّقْدِ) الَّذِي بِيعَ بِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ (وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ) أَوْ نَوْعِهِ (اشْتَرَى) لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُهُ (وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْتَنِعُ الِاعْتِيَاضُ فِيهِ كَبَيْعٍ فِي الذِّمَّةِ وَكَمَنْفَعَةٍ وَاجِبَةٍ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِ وَإِنْ رَضِيَ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ، وَأَوْرَدَ ابْنُ النَّقِيبِ عَلَى الْمُصَنِّفِ نُجُومَ الْكِتَابَةِ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُرَدُّ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ لَا يُحْجَرُ لِأَجْلِهَا فَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا.
المتن: وَلَا يُسَلِّمُ مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ
الشَّرْحُ: (وَلَا يُسَلِّمُ) الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ (مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ) احْتِيَاطًا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَالْوَكِيلِ وَالضَّمَانُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ أَوَانِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِمُؤَجَّلٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ضَمَانِ الْحَاكِمِ إذَا فَعَلَهُ جَاهِلًا أَوْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ خَطَأَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَالْأَحْوَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَا أَخْذُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ جَاءَ التَّقَاصُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَرَضِيَ بِهِ حَصَلَ الِاعْتِيَاضُ فَلَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمٌ مَعَ بَقَاءِ الثَّمَنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
المتن: وَمَا قَبَضَهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرُهُ لِيَجْتَمِعَ، وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ.
الشَّرْحُ: (وَمَا قَبَضَهُ) الْحَاكِمُ مِنْ ثَمَنِ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ (قَسَمَهُ) نَدْبًا عَلَى التَّدْرِيجِ (بَيْنَ الْغُرَمَاءِ) لِتَبْرَأَ مِنْهُ ذِمَّتُهُ وَيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْتَحَقُّ، فَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ وَجَبَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي (إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ) وَكُثْرِ الدُّيُونِ (فَيُؤَخِّرُهُ) أَيْ الْحَاكِمُ ذَلِكَ (لِيَجْتَمِعَ) مَا يَسْهُلُ قِسْمَتُهُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ فَيُقْرِضُهُ أَمِينًا مُوسِرًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَيْرُهُ مُمَاطِلٌ، فَإِنْ فُقِدَ أَوْدَعَهُ ثِقَةً تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ، وَلَا يَضَعُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ لَمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْقِسْمَةِ، وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ أَقْرَضَهُ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَاضُهُ مِنْهُ أَنْ يُتْرَكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ، وَلَا وَجْهَ لِقَبْضِهِ مِنْهُ ثُمَّ السَّعْيِ فِي إقْرَاضِهِ وَقَدْ لَا يَجِدُ مُقْتَرِضًا أَهْلًا ا هـ. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْغُرَمَاءُ فِيمَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يُودَعُ عِنْدَهُ أَوْ عَيَّنُوا غَيْرَ ثِقَةٍ، فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ الْمُودِعِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَمِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: فَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ فَفِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ مِنْ حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى خِلَافِهِ، فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى مِنْ إقْرَاضِهِ أَوْ إيدَاعِهِ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ الْمُكَاتَبُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نُجُومُ كِتَابَةٍ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ وَدَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ الْأَرْشِ ثُمَّ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَعَلُّقًا آخَرَ بِتَقْدِيرِ الْعَجْزِ عَنْهُمَا، وَهُوَ الرَّقَبَةُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَرْشَ عَلَى النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ وَالنُّجُومُ مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِالنُّجُومِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ كَيْفَ شَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُمْ إذَا اسْتَوَوْا وَطَالَبُوا وَحُقُوقُهُمْ عَلَى الْفَوْرِ أَنْ تَجِبَ التَّسْوِيَةُ (وَلَا يُكَلَّفُونَ) أَيْ الْغُرَمَاءُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ (بَيِّنَةً) أَوْ إخْبَارَ حَاكِمٍ (بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ)؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَشْتَهِرُ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ غَرِيمٌ لَظَهَرَ وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَضْبَطُ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ يَعْسُرُ مُدْرِكُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْأَضْبَطِ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ تَيَقُّنًا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحِمِهِ، وَهُوَ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَتَحَتَّمُ مُزَاحِمَةُ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَوْ أَعْرَضَ أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ. وَالْوَارِثُ بِخِلَافِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يُكَلَّفُونَ الْإِثْبَاتَ بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ فِي كَلَامِهِ.
المتن: فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ شَارَكَ بِالْحِصَّةِ، وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ) يَجِبُ إدْخَالُهُ فِي الْقِسْمَةِ: أَيْ انْكَشَفَ أَمْرُهُ (شَارَكَ بِالْحِصَّةِ) وَلَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَسَمَ مَالَهُ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى غَرِيمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةٌ، فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشَرَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ، فَإِنْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَكَانَ مُعْسِرًا جَعَلَ مَا أَخَذَهُ كَالْمَعْدُومِ وَشَارَكَ مَنْ ظَهَرَ الْآخَرُ وَكَانَ مَا أَخَذَهُ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ، فَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آخِذًا الْخَمْسَةَ اسْتَرَدَّ الْحَاكِمُ مِنْ آخِذِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ ظَهَرَ، ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ مِنْهُ الْآخَرَانِ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ وَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ دَيْنِهِمَا وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ظَهَرَ عَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُضَارِبُ إلَّا إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا كَمَا إذَا أَجَّرَ دَارًا وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يُضَارِبُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ) كَمَا لَوْ اقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي عَيْنِ الْمَالِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْمُشَارَكَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ الثَّالِثُ وَحَصَلَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ صُرِفَ مِنْهُ إلَيْهِ بِقِسْطِ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلَانِ، وَالْفَاضِلُ يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. نَعَمْ إنْ كَانَ دَيْنُهُ حَادِثًا فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَدِيمِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ فَكَالْقَدِيمِ، وَلَوْ غَابَ غَرِيمٌ وَعُرِفَ قَدْرُ حَقِّهِ قُسِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ وَلَا حُضُورُهُ رَجَعَ فِي قَدْرِهِ إلَى الْمُفْلِسِ، فَإِنْ حَضَرَ وَظَهَرَ لَهُ زِيَادَةٌ فَهُوَ كَظُهُورِ غَرِيمٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْحَاكِمِ مَا أَفْرَزَهُ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَخْذِ الْحَاضِرِ. حِصَّتَهُ أَوْ إفْرَازِهَا فَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُزَاحِمُ مَنْ قَبَضَ (وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ) الْمُفْلِسُ (قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ) الْمَقْبُوضُ (تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ) سَوَاءٌ أَتَلِفَ قَبْلَ الْحَجْرِ أَمْ بَعْدَهُ لِثُبُوتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَالثَّمَنُ تَالِفٌ مَا إذَا كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ لَا مَعْنَى لِلْكَافِ بَلْ هُوَ دَيْنٌ ظَهَرَ حَقِيقَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهَا مِثْلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَمِثْلُ الدَّيْنِ اللَّازِمِ دَيْنٌ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فَيُشَارِكُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ أَوْ مَعَ نَقْضِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الْبَدَلُ لِيَشْمَلَ الْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ.
المتن: وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ) أَوْ أَمِينُهُ وَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ تَالِفٌ (قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ) أَيْ بِمِثْلِهِ عَلَى بَاقِي الْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ، فَكَانَ التَّقْدِيمُ مِنْ مَصَالِحِ الْحَجْرِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُؤَنِ (وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ) بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ، وَلَيْسَ الْحَاكِمُ وَلَا أَمِينُهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ.
المتن: وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْسِمَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ، وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.
الشَّرْحُ: (وَيُنْفِقُ) الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَيْهِ وَ (عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ) مِنْ زَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَخَادِمٍ (حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ مَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَمَحَلُّهُ فِي الزَّوْجَةِ الَّتِي نَكَحَهَا قَبْلَ الْحَجْرِ. أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ بَعْدَهُ فَلَا، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فِي الْوَلَدِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ بَعْدَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْغُرَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَقَرَّ السَّفِيهُ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلَّا كَانَ الْمُفْلِسُ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَ السَّفِيهِ بِالْمَالِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ لَا يُقْبَلُ. بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَغَايَتُهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَإِقْرَارُهُ بِهِ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ. فَبِالْأَوْلَى وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَبَعًا: كَثُبُوتِ النَّسَبِ تَبَعًا لِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ. فَإِنْ قِيلَ هَلَّا كَانَ إقْرَارُهُ كَتَجْدِيدِ الزَّوْجَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَكُونُ الْآخَرُ وَاجِبًا بِأَنْ ظَلَمَهَا فِي الْقَسْمِ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ تُسَامِحَهُ مِنْ حَقِّهَا وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ، فَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَفَارَقَتْ الزَّوْجَةُ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَيُنْفِقُ عَلَى الزَّوْجَةِ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمُوَافِقِ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ. وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ لَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْقَرِيبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، لِأَنَّ الْمُوسِرَ فِي نَفَقَتِهِ مَنْ يَفْضُلُ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مَنْ يَكُونُ دَخْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَرْجِهِ وَبِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ انْتِفَاءَ الثَّانِي. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي وَلِيِّ الصَّبِيِّ؛ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ.
تَنْبِيهٌ: : لَوْ عَبَّرَ: بِيَمُونُ بَدَلَ يُنْفِقُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالْإِخْدَامَ وَتَكْفِينَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ) الْمُفْلِسُ (بِكَسْبٍ) لَائِقٍ بِهِ فَلَا يُنْفِقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ بَلْ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ كَمَّلَ مِنْ مَالِهِ أَوْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُضِيفَ إلَى الْمَالِ. أَمَّا غَيْرُ اللَّائِقِ فَكَالْعَدِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَكَتُوا عَنْهُ هُنَا، وَلَوْ رَضِيَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَفَانَا مُؤْنَتَهُ وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ اللَّائِقِ بِهِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَالْمَطْلَبِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ بِكَسْبِهِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي خِلَافُهُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ وَبَيْنَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَبْعُدْ (وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ) وَمَرْكُوبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ) وَمَرْكُوبٍ (لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ)؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُمَا بِالْكِرَاءِ يَسْهُلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي: يَبْقَيَانِ لِلْمُحْتَاجِ إذَا كَانَا لَائِقَيْنِ بِهِ دُونَ النَّفِيسَيْنِ، وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ نَصِّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ أَيْضًا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ أَضْيَقُ، وَلَا بَدَلَ لَهَا، وَتُبَاعُ الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ، وَيُسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبْدٍ قَلِيلَيْ الْقِيمَةِ (وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ) حَالَ فَلَسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَإِلَّا اشْتَرَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكِسْوَةِ كَالْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ، فَلَوْ كَانَ يَلْبَسُ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ رُدَّ إلَى اللَّائِقِ أَوْ دُونَ اللَّائِقِ تَقْتِيرًا لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ مَنْ الْمَذْكُورِ فِي النَّفَقَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَفْسُهُ وَعِيَالُهُ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ) وَمِنْدِيلٌ (وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ) أَيْ مَدَاسٌ (وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً) مَحْشُوَّةً، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَفَرْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يُؤْجَرُ غَالِبًا، وَيُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا طَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ يَلْبَسُهَا فَوْقَ الْقَمِيصِ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَلِيقُ إنْ لَاقَ بِهِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَحْصُلَ الِازْدِرَاءُ بِمَنْصِبِهِ، وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَا، وَسَكَتُوا عَمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُقَالُ لِمَا تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةُ، وَمِثْلُهَا تِكَّةُ اللِّبَاسِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْعَبَّادِيُّ: يُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَقَالَ تَفَقُّهًا يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى لَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهَا. أَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهِ، وَيَسْهُلُ السُّؤَالُ عَنْ الْغَلَطِ مِنْ الْحَفَظَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ. قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْفَتَاوَى: وَيَبِيعُ الْقَاضِي آلَاتِ حِرْفَتِهِ إنْ كَانَ مَجْنُونًا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ خِلَافُهُ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَظُنُّ أَنَّ مُرَادَهُ الْيَسِيرُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا إلَّا بِرِضَاهُمْ (وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ) وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي الْوَجِيزِ (لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمُرَادُ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَارْتَضَاهُ ا هـ. فَإِنْ قَسَمَ لَيْلًا فَيُلْحِقُ بِهِ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهُ قِيَاسًا عَلَى اللَّيْلَةِ، وَيُتْرَكُ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ قَبْلَهُ مُقَدَّمًا بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ مَالِهِ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقٍّ لِمُعَيَّنٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ كَالْمَرْهُونِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ مِنْهُ.
المتن: وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ.
الشَّرْحُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} أَمَرَ بِانْتِظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ، {وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ} وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَرَقِيقِهِ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ. نَعَمْ إنْ وَجَبَ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ عَصَى بِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ، بَلْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ التَّوْبَةِ مِنْ الْإِحْيَاءِ: أَنَّ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَعَ الْإِفْلَاسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنْ الْحَلَالِ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ لِيُصْرَفَ إلَيْهِ مَنْ الزَّكَاةِ أَوْ الصَّدَقَةِ مَا يَحُجُّ بِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ مَاتَ عَاصِيًا فَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ بَلْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ الِاكْتِسَابُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِهِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ مِثْلَهَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ يَسِيرٌ وَالدَّيْنُ لَا يَنْضَبِطُ قَدْرُهُ، وَأَيْضًا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِيهَا إحْيَاءُ بَعْضِهِ فَلَزِمَهُ الِاكْتِسَابُ لَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ.
المتن: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ.
الشَّرْحُ: أَمَّا الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَسَمَ مَا بِيَدِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقُلْنَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِكَسْبِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ لِلْفَاضِلِ ا هـ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَا يُمْكِنُ الْمُفْلِسُ مِنْ تَفْوِيتِ حَاصِلٍ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الْحَجْرِ، فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَارِثِهِ الْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِجِنَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْحَاصِلِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ) مَثَلًا لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا كَالْأَعْيَانِ، وَلِهَذَا يَضْمَنَانِ بِفَوْتِهِمَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ مَنَافِعِ الْحُرِّ فَيَصْرِفُ بَدَلَهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَيُؤَجِّرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَا نِهَايَةَ لَهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى هَذَا إدَامَةُ الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَيْسَ هَذَا مُقْتَضَاهُ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَنْفَكَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَيَبْقَى فِيهِمَا وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُمَا مَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَمُونُهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُمَا يُقَدَّمَانِ فِي الْمَالِ الْحَاصِلِ فَالْمُنَزَّلُ مَنْزِلَتُهُ أَوْلَى ا هـ. لَكِنْ إنَّمَا تُقَدَّمُ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ مَنْ يَمُونُهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ. وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَمُونُهُ مِنْ أُجْرَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُؤَجِّرَ. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُعَدُّ مَالًا حَاصِلًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمَوْقُوفِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إجَارَةِ الْمَوْقُوفِ أَيْ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَفَاوُتُهُ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ فِي غَرَضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ ا هـ. وَمِثْلُهُ الْمُسْتَوْلَدَةُ، وَمَحَلُّهُ فِي الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي إجَارَتِهِ شَرْطًا فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا اُتُّبِعَ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ.
المتن: وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا ادَّعَى) الْمَدِينُ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ، أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا) مَا زَعَمَهُ (فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) بِإِعْسَارِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُعَامَلَةُ، وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا يَبْقَى. أَمَّا مَا لَا يَبْقَى كَاللَّحْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْقِسْمِ الْآتِي.
المتن: وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِعْسَارَ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَرِيمِهِ عِلْمَهُ بِإِفْلَاسِهِ أَوْ تَلَفِ مَالُهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَثَبَتَ إفْلَاسُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي بِإِعْسَارِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ. قَالَ: لِأَنَّهُ ظَنٌّ لَا عِلْمٌ، لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُوَ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ لَا مَدْلُولُهُ الْحَقِيقِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ (فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَرَامَةِ مُتْلَفٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ حُبِسَ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إعْسَارِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحُرِّ أَنَّهُ يَمْلِكُ شَيْئًا، كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا قَسَمَ مَالَهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ قَدْ تَحَقَّقَ وَعَمِلَ بِهِ. وَالثَّالِثُ: إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْمَلَاءَةِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِذَهَابِ مَالِهِ.
المتن: وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الْحَالِ، وَشَرْطُ شَاهِدٍ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ، وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَ أَنْ يُوَفِّيَ زَيْدًا دَيْنَهُ فِي وَقْتِ كَذَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ قَبْلُ لِأَجَلِ عَدَمِ الْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لَهُ مَالٌ كَذَا أَجَابَنِي بِهِ شَيْخِي. وَهِيَ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ (وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ) وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالنَّفْيِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ كَالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنْ لَا وَارِثَ سِوَى هَؤُلَاءِ (فِي الْحَالِ) قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا (وَشَرْطُ شَاهِدٍ) لِيُقْبَلَ وَهُوَ اثْنَانِ (خِبْرَةُ بَاطِنِهِ) أَيْ الْمُعْسِرِ لِطُولِ جِوَارٍ، أَوْ مُخَالَطَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمَالَ يَخْفَى فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِهِ: إنَّهُ بِهَا، كَذَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ صَرَّحَ بِنَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْمُزَكِّيَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عَدَالَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلُهُ ا هـ. . وَهُوَ ظَاهِرٌ، هَذَا فِي الشَّاهِدِ بِالْإِعْسَارِ. أَمَّا الشَّاهِدُ بِالتَّلَفِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي إعْسَارِهِ (وَلْيَقُلْ) أَيْ شَاهِدُ الْإِعْسَارِ وَهُوَ اثْنَانِ كَمَا مَرَّ (هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ فَيَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ هُوَ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، وَلِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْكَسْبِ، وَثِيَابَ بَدَنِهِ قَدْ تَزِيدُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى، ذَلِكَ ا هـ. وَهُوَ حَسَنٌ وَأَفَادَ التَّعْبِيرُ بِالشَّاهِدَيْنِ (أَنَّهُ لَا يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا رَجُلٌ وَيَمِينٌ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ). وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِمَنْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ جَائِحَةً أَصَابَتْ مَالَهُ وَسَأَلَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ تَحْلِيفِهِ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ تَحْلِيفُهُ عَلَى إعْسَارِهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْخَصْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي الْبَاطِنِ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ التَّحْلِيفُ عَلَى الطَّلَبِ، وَإِنَّمَا يُحَلِّفُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَلَا يَحْلِفُ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْبَيِّنَةِ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إعْسَارَهُ إذَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ حَلَفُوا حُبِسَ، فَإِنْ ادَّعَى ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا أَنَّهُ بَانَ لَهُمْ إعْسَارُهُ حَلَفُوا حَتَّى يَظْهَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ قَصْدَهُ الْإِيذَاءُ، وَلَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَادَّعَوْا بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا وَبَيَّنُوا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَفَادَ مِنْهَا فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُمْ قَصْدُ الْإِيذَاءِ، وَإِذَا شَهِدَ عَلَى مُفْلِسٍ بِالْغِنَى فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَامَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ كَذَلِكَ الْغِنَى، قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي يَدِ الْمُعْسِرِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ وَصَدَّقَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَحْلِفُ الْمُعْسِرُ أَنَّهُ مَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إقْرَارِهِ بِهِ لِآخَرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ انْتَظَرَ قُدُومَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لِمَجْهُولٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ كَالْغَائِبِ. نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ فَلَا انْتِظَارَ، وَلَوْ تَعَارَضَ بَيِّنَتَا إعْسَارٍ وَمَلَاءَةٍ كُلَّمَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا جَاءَتْ الْأُخْرَى فَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ أَبَدًا وَيُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ؟ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ إذَا لَمْ يَنْشَأْ مِنْ تَكْرَارِهَا رِيبَةٌ، وَلَا تَكَادُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تَخْلُو عَنْ رِيبَةٍ إذَا تَكَرَّرَتْ (وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ) عِنْدَ الْقَاضِي (لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ فَيَجُوزُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ. نَعَمْ (الْأَصْلُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ عَلَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ) كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ زَمِنًا؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِالنُّجُومِ وَلَا الْمُسْتَأْجِرِ عَيْنَهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ خِيفَ هَرَبُهُ اسْتَوْثَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ اسْتَعْدَى عَلَى مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وَكَانَ حُضُورُهُ لِلتَّحَاكُمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ وَلَا يَعْتَرِضَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى إحْضَارِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَحَبْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً؛ لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ إنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَكَالزَّوْجَةِ. فُرُوعٌ: لَا يُحْبَسُ الْمَرِيضُ وَلَا الْمُخَدَّرَةُ وَلَا ابْنُ السَّبِيلِ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِمْ وَلَا الصَّبِيُّ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَا أَبُو الطِّفْلِ وَالْوَكِيلُ وَالْقَيِّمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ وَتُحْبَسُ الْأُمَنَاءُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَلَا سَيِّدُهُ لِيُؤَدِّيَ أَوْ يَبِيعَ بَلْ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ رَاغِبٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ، وَعَلَى الْمُوسِرِ الْأَدَاءُ فَوْرًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إنْ طُولِبَ {لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ} إذْ لَا يُقَالُ: مَطَلَهُ إلَّا إذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وُفِّيَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَمُولِيُّ أَوْ أَكْرَهَهُ مَعَ التَّعْزِيرِ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْبَيْعِ. أَمَّا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ مَعْصِيَةً، وَلَا يُنَافِيهِ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُجُوبِ لِلْحُلُولِ، وَلَوْ الْتَمَسَ غَرِيمُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْأَدَاءِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. أُجِيبَ لِئَلَّا يَتْلَفَ مَالُهُ، فَإِنْ أَخْفَاهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ حُبِسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا حَتَّى يُظْهِرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَلَوْ ذِمِّيًّا مَنْعُ الْمَدْيُونِ الْمُوسِرِ بِالطَّلَبِ مِنْ السَّفَرِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَشْغَلَهُ عَنْهُ بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ حَتَّى يُوفِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ. نَعَمْ إنْ اسْتَنَابَ مَنْ يُوَفِّيهِ مِنْ مَالِ الْحَاضِرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ. أَمَّا صَاحِبُ الْمُؤَجَّلِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، وَلَوْ كَانَ مَخُوفًا كَجِهَادٍ أَوْ الْأَجَلُ قَرِيبًا إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِ، (وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّلُ رَهْنًا وَلَا كَفِيلًا وَلَا إشْهَادًا)؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُقَصِّرُ حَيْثُ رَضِيَ بِالتَّأْجِيلِ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَلَهُ السَّفَرُ صُحْبَتَهُ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَازِمَهُ مُلَازَمَةَ الرَّقِيبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ.
المتن: وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ.
الشَّرْحُ: (وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ) وُجُوبًا (مَنْ يَبْحَثُ) أَيْ اثْنَانِ يَبْحَثَانِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ (عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ) لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّزْكِيَةِ يَقْتَضِيهِ. لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا هُنَا أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَهُ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ الْمُعْسِرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ مِنْهَا إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ لَا مِنْ دُخُولِهَا لِحَاجَةٍ كَحَمْلِ طَعَامٍ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ شَمِّ الرَّيَاحِينِ لِلتَّرَفُّهِ لَا لِحَاجَةٍ كَمَرَضٍ لَا مَنْعُهُ مِنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ فِي الْحَبْسِ، وَإِنْ كَانَ مُمَاطِلًا وَنَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ، وَلَوْ حُبِسَتْ امْرَأَةٌ فِي دَيْنٍ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ الْحَبْسِ وَلَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَاعْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَوْ لَزِمَهُ حَقٌّ آخَرُ حُبِسَ بِهِمَا وَلَمْ يُطَلِّقْ بِقَضَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَيَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ مِنْ الْحَبْسِ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ مِنْ الْحَبْسِ مُطْلَقًا وَالْمَرِيضُ إنْ لَمْ يَجِدْ مُمَرِّضًا فَإِنْ وَجَدَهُ فَلَا، وَإِنْ كَانَ يُحْبَسُ ابْتِدَاءً، وَمَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ أُخْرِجَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي.
|